من الوهلة الأولى قد لا يبدو أن هناك علاقة بين قرض صندوق النقد الدولي المنتظر وبين تعديل إتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة، المعروفة اختصاراً بإسم (الكويز)، والموقعة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة. إلا أن تزامن حدثين مهمين خلال الأسبوع المنتهي يسهل من الربط بينهما، ووضعهما جنباً إلى جنب فى صورة أكبر لهيكل علاقات لم يتغير بين مصر والولايات المتحدة منذ بدء ثورة 25 يناير وحتى الآن.
الحدث الأول جرى في واشنطن حيث عقدت لقاءات مهمة بين مسـؤولين مصريين وإسرائيليين وأمريكيين بهدف بحث تعديل إتفاقية الكويز الموقعة عام 2004 بين الدول الثلاث. إذ بحث مسؤولون مصريون مع نظراء إسرائيليين وأمريكيين طلبات تتعلق بتعديل اتفاقية الكويز لتزيد معها عدد المناطق المؤهلة من أربع إلى سبع مناطق، وأن يتم خفض المكون الإسرائيلى في المنتجات المصدر إلى 8% بدلاً من 10.5% المتبع حالياً.
وكانت القاهرة مقر الحدث الثاني الذى تمثل فى زيارة وفد صندوق النقد الدولي لبحث طلب الحكومة المصرية للحصول على قرض قيمته 4.8 مليار دولار، وبحث التفاصيل المتعلقة به. وقابل يوم الاثنين الماضي السيد مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية ووزير التخطيط والتعاون الدولي، وعدد آخر من المسؤولين، وخرج بعد هذه المقابلات ليؤكد أن «الحكومة المصرية جددت طلبها الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي. وعلى عزم الحكومة إتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الانضباط فى قطاع المالية العامة».
وقعت مصر بروتوكولاً عرف بإسم الكويز فى ديسمبر 2004، وهو عبارة عن ترتيبات تسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية دون جمارك أو حصص محددة شرط توافر مكون إسرائيلي فى هذه المنتجات لا تقل نسبته عن 11.7%، ثم تم تخفيض نسبة المكون الإسرائيلي إلى 10.5%. وبموجب الإتفاق تمت إقامة أربع مناطق صناعية مؤهلة في مصر في منطقة القاهرة الكبرى، ومنطقة الإسكندرية، ومنطقة قناة السويس ومنطقة وسط الدلتا. وهدفت واشنطن من هذه الإتفاقية إلى دعم إتفاق السلام المصري ــ الإسرائيلي، الذي هو أحد أهم أعمدة إستراتيجيتها في الشرق الأوسط، عن طريق فرض تطبيع (اقتصادي) على رجال الأعمال المصريين مع نظرائهم الاسرائيليين. وكانت تجربة ربع قرن من السلام بين مصر وإسرائيل قد فشلت في أن تؤتي أي ثمار تطبيعية على المستوى الشعبى أو الفني أو الثقافي. وتكشف التقارير الحكومية المصرية وصول عدد المصانع المصرية المشاركة فى الكويز إلى 800 مصنع. وبلغت نسبة إجمالي واردات هذه المصانع من إسرائيل العام الماضى 97.5 مليون دولار، في حين حققت صادرات الكويز المصرية قيمة بلغت 931.6 مليون دولار خلال نفس العام. ورغم إلغاء الحكومة المصرية لإتفاقيات تصدير الغاز المصرى لإسرائيل العام الماضي، لم تتأثر اتفاقيات الكويز على الاطلاق!
وبعد لقاءاته في القاهرة خرج ممثل صندوق النقد الدولى ليقول إن المسؤولين المصريين ”قد أعربوا عن تصميمهم على وضع وتنفيذ برنامج اقتصادي وطني يحظى بتأييد واسع النطاق لمواجهة التحديات الاقتصادية. كذلك أكدت الحكومة مجدداً طلبها الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي لمساندة هذا البرنامج“.
وفي نفس اليوم قال الرئيس محمد مرسي، لمحطة ”سى إن إن“ الأمريكية رداً على سؤال حول قرض الصندوق: ”إن إجراءات الاقتراض ستنتهي في وقت قريب“، وأشار الرئيس إلى أن هناك مفاوضات وتعاوناً ولكن لا توجد شروط. وذكر ”هناك فارق كبير بين التعاون والشروط، فنحن لا نقبل الشروط. القرض المشروط مرفوض ولكن التعاون في مجالات متعددة ومنها التعاون الفني والمعونة الفنية هو المطلوب“.
تدرك واشنطن أن الاقتصاد المصري يمر بأزمات خانقة أدت إلى حدوث نقص في مصادر الطاقة التي يستعملها المصريون يومياً، مع وجود دعم غير مستقر للغذاء والوقود، وخلل هيكلي كبير فى الموازنة العامة. من هنا لم يكن بمستغرب أن تشترط إدارة الرئيس باراك أوباما على الحكومة المصرية تلقيها قرض صندوق النقد البالغ قيمته 4.8 مليار دولار، قبل منح مصر أي مساعدات من تلك التي أعلن عنها الرئيس أوباما لدعم دول الربيع العربى، والتى تقدر في مرحلتها الأولى بمليار دولار. وذلك لضمان ربط مصر الجديدة بمنظومة الليبرالية الاقتصادية التي تحدد هي إطارها الواسع.
نظرة متأنية على ما تكشفه هذه الاحداث المتقاطعة من ديناميكيات التفاعل بين ”أصحاب السلطة“ وبين ”أصحاب المال“ في مصر والدول الأخرى والمؤسسات المانحة، يظهر مدى تعاون أصحاب المال المسيطرين على الحصة الكبرى من الاقتصاد المصري مع متخذي القرارات السياسية، أي الحكام، على مقاومة التغيير، وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
طرح للنقاش داخل الولايات المتحدة العديد من الأسئلة حول قضايا متعلقة بمصر بعد 25 يناير مثل مستقبل العلاقات مع القوى الإسلامية الصاعدة، واتجاهات حكام مصر الجدد، ومستقبل العلاقات مع إسرائيل. وكانت كل تلك الأسئلة وغيرها، تثير قلقاً وارتباكاً كبيراً في دوائر صنع القرار الأمريكي. إلا أنه وبعد مرور ما يزيد على عامين على بدء الثورة، ومرور نصف العام على تولي الرئيس محمد مرسي حكم مصر، يبدو أن قلق واشنطن تضاءل، ولم تعد هناك أسباب موضوعية للقلق من نتائج التغير الدراماتيكي الذى تشهده مصر، منذ بدء ثورة 25 يناير قبل عامين.
ويبدو أن سعي واشنطن لاستثمار سياسي جديد يضمن لها استمرار خدمة مصالحها الإستراتيجية قد أتى ثماره من خلال ربط النخب السياسية المصرية الجديدة بمراكز القوة التقليدية في عالم المال والأعمال.
[عن جريدة "الشروق" المصرية]